بقلم نورهان بيروتي، الرئيس التنفيذي للايرادات في أميركا الشمالية والمملكة المتحدة، ايجكس للخدمات اللوجستية.
تتمتع المملكة العربية السعودية، وهي أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وخامس أكبر دولة في غرب آسيا، بفرص تطوير واستثمار مغرية للشركات المحلية والعالمية. وقد حلّت المملكة العربية السعودية عام 2023 في المرتبة الثالثة كأكثر اقتصاد تنافسي بين دول مجموعة العشرين وفقاً للكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2023. يعيش في المملكة حوالي 32 مليون شخص، حيث يشكّل الشباب دون الثلاثين عاماً نسبة 63٪ منهم، مع طبقة متوسطة مزدهرة، وسكان متعلمين بمستوى عالٍ ومستعدين رقمياً بشكل كبير، ولذلك يشهد قطاع التجارة الإلكترونية في المملكة اليوم نمواً لا مثيل له. سوف نستعرض في هذه المقالة العوامل المحركة لنمو قطاع التجزئة والتجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية، فضلاً عن الفرص المزدهرة التي تستمر في جذب التجار من جميع أنحاء العالم.
الكشف عن عوامل النمو: التنويع الاقتصادي وبروز الطبقة الوسطى
شهد سوق التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية ارتفاعاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، حيث كشفت الإحصاءات عن زيادة مذهلة في المبيعات من 2,382 تريليون دولار أميركي إلى 6,452 تريليون دولار أميركي بين عاميّ 2017 و2023. ويُعزى جزء كبير من هذا النمو إلى رؤية 2030 - الخطة الحكومية للتنويع الاقتصادي. وبفضل هذا المشروع الطموح، ساهمت مبادرات حكومية متعددة، بما في ذلك الإصلاحات التنظيمية ودعم ريادة الأعمال الرقمية، في توسع هذا القطاع.
كما شهدت صناعة التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية نمواً كبيراً بفضل اتساع الطبقة المتوسطة. فمع وصول الناتج المحلي الإجمالي للفرد إلى 30,447.9 دولاراً أميريكياً اعتباراً من عام 2022، يتجه عدد متزايد من المستهلكين إلى المنصات الالكترونية للتسوق بفضل زيادة الدخل. وفي المقابل، تنمو توقعات العملاء بسرعة، مع الطلب المتزايد على الراحة والتنوع والأسعار التنافسية وخدمات التوصيل من دون عناء. ويستفيد تجار التجزئة العالميون من هذا الاتجاه، حيث يقومون بتخصيص عروضهم واستراتيجياتهم التسويقية والخدمات اللوجستية لتلبية احتياجات السوق السعودية.
ثورة الدفع الرقمي
أدى ظهور خيارات الدفع الرقمية إلى قلب الموازين في المعاملات في المملكة العربية السعودية بحيث تحولت من المعاملات النقدية التقليدية إلى المعاملات الرقمية. وقد أفضت سهولة الاستخدام والأمان في المدفوعات الرقمية إلى خلق فرص جديدة للتجار الأجانب الذين يدخلون قطاع التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية.
ومن خلال تمكين أولئك الذين لا يملكون حسابات مصرفية أو بطاقات ائتمان من الانخراط في الاقتصاد الرقمي، تساعد وسائل الدفع الرقمية على تعزيز الشمول المالي. كما أنها توفر مزيداً من الأمان من خلال أساليب المصادقة والتشفير المتطورة، مما يعزز ثقة العملاء ويشجع المتسوقين على إنجاز المعاملات عبر الإنترنت.
وقد ساهم تبدّل سلوك المستهلكين، ولاسيما بين الشباب البارعين في استخدام التكنولوجيا، في نمو التجارة الإلكترونية. فمع ارتفاع استخدام الإنترنت والهواتف الذكية (حيث يبلغ معدل انتشار الإنترنت في المملكة العربية السعودية حوالي 91% ومعدل انتشار الهواتف الذكية أكثر من 84%)، يستطيع العملاء الآن الحصول على مجموعة واسعة من السلع والخدمات عبر التسوق عبر الإنترنت. وقد تعززت هذه الاتجاهات في الآونة الأخيرة بسبب جائحة كوفيد-19، التي أجبرت العديد من المتسوقين على التحول من المتاجر التقليدية إلى التسوق عبر الإنترنت.
نتيجة ذلك، أصبح التسوق اليوم أكثر راحة وسهولة من أي وقت مضى، حيث يستطيع العملاء القيام بذلك في أي مكان وزمان. أما الفئات الأكثر شعبية فهي المنتجات الإلكترونية، والأزياء، ومنتجات الصحة والجمال، والمستلزمات المنزلية ومنتجات الأطفال. وعلى هذا النحو، يستطيع تجار التجزئة العالميون الوصول إلى شريحة كبيرة من العملاء الذين يجيدون استخدام التكنولوجيا ويشعرون بالراحة عند الشراء عبر الإنترنت بفضل الاتصال الرقمي. ومع استمرار المملكة في تعزيز هذا التوسع، يتوقع أن يشهد سوق التجارة الإلكترونية المزيد من النمو المستقبلي وبوفر فرصاً لا حصر لها لازدهار الشركات الدولية والمحلية.
قصص نجاح التجارة الإلكترونية: أمازون ونون في المملكة العربية السعودية
نجحت أمازون في دخول سوق التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية عام 2017 من خلال الاستحواذ على سوق.كوم (Souq.com)، أكبر منصة للتجارة الالكترونية في الشرق الأوسط. ويمكن أن يُعزى نجاح أمازون إلى جهودها في تلبية السوق المحلي، وتنوع مجموعة المنتجات، وقدراتها اللوجستية القوية.
وفي العام نفسه، تمّ إطلاق منصة نون للتجارة الإلكترونية، وقد حققت نمواً ملحوظاً منذ ذلك الحين. يعزى نجاح "نون" إلى فهمها للمشهد الاستهلاكي، واختيار المنتجات المتنوعة، بالترافق مع بنية لوجستية فعالة واستراتيجيات تسويق مبتكرة. وهي أول منصة تستخدم اللغة العربية كلغة لواجهتها، وتفرض وجودها حالياً في المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، مع الإشارة إلى أنها حققت مبيعات إجمالية قدرها 290.7 مليون دولار في العام 2022.
مواجهة التحديات واغتنام الفرص
يتوجب على التجار العالميين الذين يتطلعون إلى سوق التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية أن يأخذوا في الاعتبار التفضيلات الثقافية الدقيقة، والمنافسة الشرسة، والتعقيدات اللوجستية في البلد الشاسع. كما أن الالتزام بالعادات المحلية، واقتراح عروض بيع فريدة، وإنشاء شبكات لوجستية قوية ضرورية لتحقيق النجاح. ويتعين على الشركات تقديم تجارب محلية، بما في ذلك دعم اللغة العربية والتكيف الثقافي.
وعلى رغم هذه التحديات، تبقى الفرص هائلة. فالشبان في المملكة العربية السعودية بارعون في استخدام التكنولوجيا ولديهم دخل كبير يمكن إنفاقه، مما يجعل من المملكة سوقًا جذابة للتجار العالميين.
الازدهار في سوق التجارة الإلكترونية السعودي
في الختام، على رغم التحديات في سوق التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية، فإن نجاح "أمازون" و"نون"، بالإضافة إلى الفرص والمبادرات الحكومية، يؤكد على الإمكانات الهائلة لتحقيق النجاح. ولا شك في أن فهم اتجاهات السوق وتفضيلات المستهلك والتكيف معها هو أمر أساسي للشركات الراغبة في الازدهار في هذا السوق الديناميكي المتطور باستمرار.
© AJEX 2024.كل الحقوق محفوظة